يوم الثلاثاء الماضي، قام نائب الرئيس الأميركي مايك بينس بزيارة إلى «متحف كوينز» في نيويورك لإحياء ذكرى إنشاء الموقع السابق لمنظمة الأمم المتحدة التي صوت أعضاؤها قبل 70 عاماً على تقسيم فلسطين وتأسيس دولتين عربية و«يهودية». والسؤال المطروح الآن بعد انقضاء هذه المدة الطويلة هو: ألا يزال ذلك التقسيم، كما قررته المنظمة الأممية، ممكناً وقابلا للتطبيق؟ ويتساءل محللون حول ما إذا كان اللاعبون المؤثرون، مثل الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ما زالت لديهم الرغبة للعمل في هذا الاتجاه، أو ما إذا كانت أفضل الحلول التي تم اقتراحها سابقاً يمكن إعادة إحيائها الآن في ظل حالة غياب الحل السياسي البديل؟ وبعيداً عن التركيز على الإرادة السياسية، فإن الأطراف ذات التوجهات اليمينية واليسارية على حد سواء، تقول باستحالة التوفيق بين تقاسم الأراضي والتوسع الإسرائيلي الاستيطاني المتزايد في الضفة الغربية. ويطالب نقّاد الفكرة ذوي التوجهات اليمينية إسرائيلَ بضمّ المزيد من أراضي الضفة الغربية دون أن يأخذوا في الحسبان ردود الأفعال الدولية لمثل هذا الإجراء من جانب واحد. وفي الجناح اليساري، يرى النقاد ضرورة استبدال الكيان الإسرائيلي بشكل تام بدولة ثنائية القومية؛ إسرائيلية فلسطينية. وكلتا الفكرتين تبدو وهمية لأن إسرائيل ليست على استعداد لأن تقدم بشكل طوعي على الانتحار الوطني. وبأخذ ندرة الخيارات المتوفرة بعين الاعتبار، يمكن القول إن التقسيم هو الاحتمال الممكن المتبقي. وتوحي أحدث المعطيات السياسية بأن الخلاف على الأراضي يمكن حلّه. ويسعى موقع على شبكة الإنترنت أطلقه «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، ويهتم بدراسة العلاقة بين الاستيطان والحلول المطروحة، إلى استخدام صور يبثها قمر صناعي مدني للتوصل إلى فهم أفضل للأهداف البعيدة للاستيطان. ويمكن فهم الكثير من الأمور في هذا الخصوص من خلال توضيح العلاقة بين الجغرافيا والواقع الاستيطاني في الضفة الغربية؛ لأن ذلك يساعد على الإجابة عما إذا كان الوقت قد فات بالفعل بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين من أجل التوصل إلى تسوية حول القضايا المتعلقة بتقاسم الأراضي وحول مشاكل الأمن الوطني ومصير اللاجئين ووضع القدس. وإذا أردنا التوصل إلى حلول تتعلق بتقسيم الأراضي، فنحن نحتاج للتفريق بين نوعين من المستوطنين، لأن بينهما اختلافات كبيرة في أسلوب التفكير حول التوصل إلى حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا بد هنا من الإشارة أولاً إلى أن كلا الفريقين يستوطنان أراضي تقع خارج الخط الأخضر، والذي يمثل حدود الفصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية قبل حرب عام 1967. وأحد الفريقين يستوطن المنطقة الواقعة غرب الحاجز الأمني الإسرائيلي الذي أنشأته الحكومة الإسرائيلية أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت بين عامي 2000 و2005 من أجل التصدي لتدفق الانتحاريين الفلسطينيين من الضفة الغربية. ويستوطن الفريق الآخر المناطق الواقعة وراء وشرق الحاجز الأمني. ووفقاً لبيان صادر عن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء فإن نحو 85 بالمئة من الإسرائيليين الذين يستوطنون مناطق واقعة شرق الخط الأخضر داخل المنطقة الملحقة بالحاجز الأمني، تشكل مناطق استيطانهم ما يقارب 8 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وفي منطقة قريبة جداً من المناطق الحضرية الإسرائيلية. وهذا يعني أن أقل من 556 ألف إسرائيلي يعيشون داخل أو غرب الحاجز الأمني وأكثر من 97 ألفاً يعيشون خارج الحاجز. وهذا لا يعني أنه لا توجد تهديدات ديموغرافية يمكن أن تقوض خيار حل الدولتين. وفي الوقت الذي لا زالت فيه نسبة 85 بالمئة من المستوطنين التي تعيش على 8 بالمئة من الأرض، ثابتة بشكل كبير، فإن عدد المستوطنين هو الذي ارتفع. وتشير إحصائيات إلى أن عدد المستوطنين الذين كانوا يعيشون وراء الحاجز الأمني عام 2009 بلغ 70 ألفاً، إلا أن هذا العدد ارتفع الآن بمقدار 27 ألفاً. ولو تضمن اتفاق حل الدولتين البحث في اتفاقية إضافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تأخذ في الاعتبار إعادة توطين هؤلاء المستوطنين، لازدادت الأمور تعقيداً. وكمثال عن ذلك، أعيد توطين ما يقارب 8 آلاف مستوطن خلال انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005. وبالطبع، يمكن للطرفين الاتفاق خلال المفاوضات على بقاء هؤلاء المستوطنين في بيوتهم لفترة مؤقتة حتى يتم ترحيلهم إلى مساكن أخرى. ويمكن لهذه الأرقام الإحصائية أن تسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة لحركة الاستيطان. وتبين الإحصائيات أن مستوطنتين فقط من أصل 139، تضمان أكثر من 30 بالمئة من مجموع عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. والمستوطنتان المذكورتان تضمان اليهود الأرثوذوكس الأكثر تشدداً، وبما يشير إلى تغير في حركة الاستيطان منذ انطلاقها في أعوام الستينيات من طرف الصهاينة المتدينين الذين يعتبرون الضفة الغربية إرثاً توراتياً ويعتبرون أنفسهم مناضلين سياسيين تعهدوا بمواصلة الكفاح حتى «استعادة» الضفة الغربية كلها لتكون جزءاً من أرض إسرائيل. وعلى العكس من ذلك، فإن اليهود الأرثوذوكس يتحركون بدوافع اقتصادية اجتماعية وخاصة ما يتعلق منها بسعيهم للحصول على المساكن. وهم الذين بلغت نسبة الولادات عندهم معدلاً مثيراً للدهشة وصل 6.9 بالمئة للعائلة الواحدة. والمطلوب من إسرائيل الآن هو أن تضبط سياسة الاستيطان كي تتلاءم مع هدف حل الدولتين الذي سيساعد على تحقيق التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. وسوف يعد ذلك مؤشراً قوياً على رفض الاعتقاد الذي عبّر عنه الفلسطينيون في استطلاعات الرأي الأخيرة من أن إسرائيل تريد السيطرة على الضفة الغربية كلها. وعلى أن الوقت لم يفت بعد لتحقيق ذلك، فإن أولئك الذين ينتسبون إلى الجناحين اليميني واليساري والذين عبروا عن اعتقادهم بأن حل الدولتين قد انتهى إلى غير رجعة بسبب النمو الاستيطاني السريع، متشائمون جداً. ولا يزال هناك طريق لتحقيق السلام. -------------------------- *مستشار أميركي شارك في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة ------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»